موريتانيا ومكامن الداء!

خميس, 05/06/2025 - 09:54

في خضم الحديث المتكرر عن الفساد كمشكلة كبرى تواجه موريتانيا، تنشغل النخبة الوطنية، رغم محدوديتها العددية، بإدانة هذا الفساد بأشكاله المتعددة: الإداري، المالي، التربوي، والسياسي… غير أن هذه الإدانة غالبًا ما تظل سطحية، لا تتعمق في فهم السياقات الحقيقية التي أنتجت هذا الوضع. فالفساد، في جوهره، ليس سوى مظهر من مظاهر أزمة أعمق: أزمة في الحكامة، بل وفي المنهاج المؤسسي ذاته، منذ نشأة الدولة.

موريتانيا، كدولة، لم تولد ميلادًا طبيعيًا، بل جاءت إلى الوجود ولادةً قسرية، أشبه بمولود خداج، يحمل في طيات تكوينه الأولي كل أسباب هشاشته المستقبلية. لقد تم فرض استقلالها في إطار ترتيبات دولية أكبر، أهمها تأسيس منظمة الأمم المتحدة والحاجة إلى منح “الشرعية” الشكلية للهيمنة الاستعمارية من خلال إدماج مستعمرات سابقة في هيئة الدول. ففرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية، لم تعد قادرة على مواصلة احتلالها التقليدي، لكنها كانت أحرص ما تكون على ترك “أبناء الكوميات” و”المتفرنسين” في مواقع التحكم، ممن تلقوا حظًا من التعليم ولو محدودًا، ليضمنوا بقاء الأوضاع على ما كانت عليه.