يقترب موعد الإنتخابات الرئاسية المقرر شهر يونيو Juin المقبل .
و تتسارع معه الخطي لتحضير كل ما يتعلق بهذا الحدث الإنتخابي الهام من ناحية التعبئة و التسجيل علي اللائحة الإنتخابية و التحسيس لدعم ترشيح رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للإستحقاق الإنتخابي الرئاسي المرتقب.
بعدما تأكد جليا و بالمكتوب ترشحه لعهدة ثانية يكفلها الدستور .
عبر إنتخابات رئاسية تشير كل الدلائل و المعطيات بأنها ستكون محسومة لصالحه بحكم موقعه كمرشح للنظام من داخل البيت الرمادي و تصدره المشهد السياسي و إلتفاف كل القوي التقليدية و النخبوية إلي جانبه سياسيا و دعم الحزب الحاكم له و أحزاب الأغلبية أيضا اللا محدود .
في ظل غياب منافس معارض قوي داخل المشهد الوطني و فشل المعارضة دخول المعترك الإنتخابي بمرشح موحد نتيجة تباين المواقف و اتساع نقاط الخلاف بين أطيافها .
ربما نزولا عند الآية الكريمة من سورة الإسراء ( قل كل يعمل علي شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا ..) صدق الله العظيم .
كما أثبتت التجارب و المناسبات الإنتخابية طيلة المسار الديمقراطي الذي عرفته البلاد تأكيد فوز كل الرؤساء المنتخبين من داخل القصر الرمادي خلال الأشواط الأولي مقابل فشل و سقوط آخرين تقدموا للإنتخابات من خارج دائرة النظام علي غرار ما حصل مع رؤساء سابقين و غيرهم في مناسبات انتخابية مماثلة كان أبرزهم الرئيس السابق المرحوم أعل ولد محمد فال رغم نجاحه الكبير في إدارة المرحلة الإنتقالية أنذاك و تحصينه المأمورية الثالثة دستوريا من عبث الطامعين بالخلود في السلطة و ما لخلفيته العسكرية و الأمنية و علاقاته الإجتماعية و الدولية من أهمية و حكم معرفته مسبقا بخفايا و أسرار الدولة .
كل ذلك لم يشفع له إلا بالحصول علي نتيجة 1.5% في السباق الرئاسي حينها .
حيث أعتادت الإنتخابات الموريتانية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني لعوامل عدة : أبرزها غياب الوعي الوطني و إعتماد غالبية الأحزاب علي الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي .
نظرا لإنعدام ثقافة الإنضباط الحزبي و درجة الغبن و التهميش علي مستوي هيكلة الحزب دون إنصاف يذكر .
و غياب الروابط بين الأحزاب و الناخبين بالشكل الموجود داخل المجتمعات الديمقراطية في العالم.
خارج المواسم و المناسبات السياسية و الإنتخابية .
فالعلاقة القائمة لدينا في ظل غياب مفهوم صحيح للمواطنة كثيرا ما تكون بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية بحتة ليس إلا.
و قد تجلي ذلك بوضوح علي مستوي ما شهده حزب الإنصاف حينها من صراع نفوذ و أجنحة تسبب في ظهور حالات مغاضبة واسعة وانسحابات بالجملة كان له الأثر الكبير علي نتائج الإنتخابات التشريعية و البلدية الأخيرة ألقت بظلالها علي المشهد السياسي و مكن أحزاب الأغلبية من الصعود بتمثيل واسع داخل البرلمان .
وسط حديث المعارضة عن حالات تزوير و غش و مخالفات شابت العملية الإنتخابية أنذاك .
أكدها رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات لاحقا في الوقت الضائع إن لم تخنه الذاكرة علي مستوي تطبيق My CENI و ما قد يترتب علي ذلك من ضياع للحقوق و فقدان المصداقية
و في سياق انتخابي رئاسي سابق تم تغييب الحزب الحاكم و لأول مرة انذاك UPR الإتحاد من أجل الجمهورية و علي المستوي الرسمي عن فعاليات و أحداث الإنتخابات الرئاسية 2019 لحاجة في نفس يعقوب قضاها .
في حين تعد الأحزاب من أهم التنظيمات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر علي سير حركة النظام السياسي و ضمان إستمراره .
فهي تؤدي دورا مهما في تنشيط الحياة السياسية كما أضحت تشكل ركنا أساسيا من أركان النظم الديمقراطية .
فأداء الأحزاب ينعكس سلبا أو ايجابا علي نوعية الحياة السياسية و علي مستوي التطور الديمقراطي و التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يعد انعكاسا للنظام الحزبي السائد في الدولة.
بينما يري بعض المحللين أن تراجع دور أحزاب المعارضة التقليدية داخل المشهد الوطني و فشل مشاريعها السياسية مرده عائد إلي التخلي عن دورها المنوط و المعهود ( بالنقد البناء) أو الرأي الآخر
و الدخول في هدنة و مغازلة النظام .
بالإضافة إلي القطيعة مع القواعد الشعبية في أحلك الظروف .
و التمسك بقيادة حزبية واحدة متذ التأسيس مهيمنة و مسيطرة في كل الأحوال والأوقات دون غيرها .
ما يعاب علي هذه الأحزاب هو إنفراد القادة بالقرار و التناقض السريع في المواقف خاصة بعد إخفاقها في الإنتخابات التشريعية الأخيرة دون الحصول علي تمثيل في البرلمان مما كان من المتوقع أن يعرضها للإقصاء و الخروج من المشهد السياسي صفر اليدين و الحرمان من الترشح مستقبلا بقوة القانون الإنتخابي الجديد .
مما جعلها تطعن في نتائج الإنتخابات و تطالب بإعادتها نظرا لما شهدته من حالات تزوير .
لتتراجع لاحقا في ضوء تفاهمات جديدة مع الحكومة في إطار ميثاق الجمهورية .
لعل آخر تداعيات و تأثيرات هذا التعاطي و التجاوب السياسي هو ما شهده حزب تكتل القوي الديمقراطية من إختلاف عميق وتباين في المواقف و الرؤي ينذر بأزمة ثقة حادة بين الرئيس احمد ولد داداه من جهة و بعض أعضاء المكتب التنفيذي حول موقف الحزب من الرئاسيات المرتقبة ، حيث أعلن السيد أحمد ولد داده أمس عبر بيان رسمي دعمه ترشح رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية ثانية .
في حين قال أعضاء المكتب التنفيذي إن هذا البيان لا يمثل حزب تكتل القوي الديمقراطية في خطوة غير مسبوقة هي الأولي من نوعها في تاريخ الأحزاب السياسية ، تعد خروجا علي قرارات الرئيس الملزمة للحزب و علي الضوابط الحزبية في محاولة لسحب البساط من تحته و صفها البعض بالإنقلاب الحزبي .
بينما يري بعض المراقبين للشأن السياسي أن معظم الأحزاب السياسية الحاكمة جاءت علي مقاسات جلباب العسكر .
تتغير في الشكل والإسم و الشعار دون المضمون بخروج رأس النظام مطاحا به عسكريا أو مغادرا لسدة الحكم كرها أو طواعية بحكم قوة الدستور .
بالطبع أول من سيتناساه و يتنكر له إن لم يقاضيه و يتحامل عليه هو حاشيته من النخب الوطنية و محيطه السياسي علي غرار ما حصل مع الرئيس الأسبق السيد محمد ولد عبد العزيز الذي كان بالأمس القريب قاب قوسين من الدفع به شعبيا نحو مأمورية ثالثة مخلة لمواد الدستور المحصنة لولا قدرة قادر و رفضه طواعية الوقوع في المحظور .
بالتأكيد الترشح للإنتخابات الرئاسية حق دستوري لكل مواطن له الرغبة الطامحة و الحماس الزائد في دخول المعترك الإنتخابي شريطة تجاوزه عتبة مرحلة التزكيات.
ما ميز الساحة الوطنية هذه الأيام بشكل ملفت للإنتباه .
هو إستمرار اللقاءات و المؤتمرات الحاشدة و التيارات بإشراف نخب سياسية و شبابية و أطر نافذين و غيرهم .
بجهود خاصة خارج إطار حزب الإنصاف .
بالإضافة إلي مبادرات قوي المال و الأعمال الداعمة من حين لآخر .
ضمن مساعي تعزيز التواصل و إبراز كل الشعارات واللافتات و إظهار مستوي الولاء و التأييد اللامشروط للنظام الحاكم و دعم ترشيح رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمأمورية ثانية.
ممارسات دأب عليها المجتمع منذ العهد الطائعي مجدتها قصائد شعرية كثيرة مثل يا أبا أحمد و غيرها تغنتها حناجر المطربين و أبدع فيها شعراء البلاط ،رئيس دخل في صمت طويل منذ الإطاحة به إن لم يكن بتأثير الصدمة خرج صفر اليدين من رواسب المال العام ،
و صف من طرف العامة ب ( معاوية الخير ) و من النخبة ب ( حبيب الملايين )
ممارسات تبنتها الأنظمة السابقة واللاحقة علي مستوي المناسبات السياسية و الإنتخابية .
أسست لمرحلة من التفنن في النفاق السياسي و التطبيل و التزلف و الإحتيال و الولاء الزائف .
قلص دور الأحزاب و قوض مفهوم الدولة و أعاق تنمية البلاد في كل المجالات .
كما ساهم في تكريس القبيلة وترسيخ البعد الجهوي .
إن النخب هي الطلائع المجتمعية التي يفترض أن تضطلع بأدوار شتي علي غرار تحقيق التنمية .
وهي القوة الإجتماعية الدافعة بعجلة التنمية و المعززة للموارد.
كما أنها أيضا هي المنتجة للقيم الإجتماعية فهي التي يقع علي عاتقها في كل الحالات مهمة البناء الإجتماعي و القيادة و التخطيط.
إن عمليات التغيير علي العموم و كذلك المسارات التنموية إنما تقودها النخب الوطنية لاغير .
وفي سياق آخر نجد أن ثمة أمورا و مستجدات تستوجب أخذ الحيطة و الحذر في ظل تنامي و تصاعد غير مسبوق لخطابات الكراهية و التحريض و إثارة النعرات و الإساءة و الخروج علي القيم و الثوابت الوطنية و رغبة البعض ركوب القضايا الوطنية للإستهلاك والإستقطاب الإنتخابي و كسب الأصوات .
بالإضافة إلي ما يشهده المحيط الإقليمي من إضطراب و إنفلات أمني و مخاطر و تهديدات مسلحة علي مشارف الحدود مع الجارة الشرقية مالي .
إننا في محيط إقليمي نؤثر كما نتأثر .
هذا و قد أشرف وزير الداخلية صاحب المهام الصعبة السيد محمد احمد ولد محمد الأمين علي إنطلاق الأيام الوطنية للتشاور حول التحضير التشاركي للإنتخابات الرئاسية و تطوير الحكامة الرشيدة بحضور الأحزاب السياسية و رابطة العمد الموريتانيين و ممثلي المركزيات النقابية و النقابات المهنية و هيئات المجتمع المدني و اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات و شخصيات مرجعية و وطنية أخري .
حيث أكد في مستهل كلامه أن هذا اللقاء يأتي تجسيدا لرؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشبخ الغزواني الذي تعهد في برنامجه المجتمعي بتهيئة الظروف المناسبة لخلق مناخ سياسي هادئ
سعيا للتقارب فيما بين الفاعلين السياسيين بشأن المواقف من كبريات القضايا الوطنية و الخروج برؤية توافقية بشكل يعزز اللحمة الإجتماعية و يعضد الإجماع الوطني و يكرس قيم التعددية الديمقراطية .
و أضاف أن هذا النهج يستمد قوته من قناعة فخامة رئيس الجمهورية الراسخة بأن موريتانيا تحتاج إلي جميع قواها الحية .
و أنه سوف لن يدخر أي جهد في سبيل أن يكون التشاور سنة متبعة بشكل دائم .
تأسيسا لما سبق فإن غالبية الشعب الموريتاني تتطلع اليوم أكثر من أي وقت مضي إلي إرادة جادة للتغيير و بناء الوطن .
تؤسس لمرحلة جديدة من خلال المأمورية الثانية ( فما بني علي باطل فهو باطل ) و تشكل قطيعة تامة مع ممارسات الماضي الخاطئة و السيئة و مع تدوير المفسدين و الإفلات من المساءلة و العقاب .
و إعادة المتقاعدين من المسنين و الحد من توليهم رئاسة المجالس الإدارية و المناصب السياسية العليا .
إمتثالا بالمثل الشعبي القائل : ( أل طلصت سن يطلصها ) .
كما تكرس لمفهوم دولة المواطنة و المؤسسات والقانون و ترسيخ و تجسيد روح الوحدة الوطنية .
و ضرورة تجديد الطبقة السياسية و الإستفادة من تجارب العالم من حولنا .
و المساهمة في إرساء عدالة إجتماعية و تقسيم عادل للثروات في إطار موريتانيا حاضنة للجميع و تتسع للكل الجميع يجد نفسه فيها،
قوية و غنية بتنوعها العرقي و الثقافي و بثرواتها الطبيعية الهائلة.
ففي سياق هذا السباق الإنتخابي الرئاسي الحالي نتمسك بنهج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في إتجاه الإصلاح علي هذا النحو في إنتظار مآلات عهدة ثانية إن شاء الله .
فعيب الدار علي من بقي في الدار !
فمتي سيتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة علي تراهات ولاء النفاق المزيف ؟!
موريتانيا أمانة في أعناقنا .
اباي ولد اداعة