نظمت ليلة البارحة بقاعة الأنشطة في بيت الشعر-نواكشوط أولى الندوات الرمضانية لهذا العام، وقد أدار السمر مدير بيت الشعر-نواكشوط أ. الدكتور عبد الله السيد الذي استهلّ كلمته مرحّبا بالضيوف والجمهور، موجّها تبريكاته لصاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، وقد قدّم مدخلا تأريخيا لموضوع المديح النبويّ خلال تطوّره من مدح للدعوة المحمدية ودفاع عن رسالتها حتّى وصوله إلى ذروة التعبير عن الشمائل النبوية المحمدية والمحبة، موضّحا اهتمام الموريتانيين بهذا الغرض وتنافسهم في قرض الشعر المديحيّ كلّ حسَب قدرته وتمكّنه محيلا الكلام إلى المحاضرين.
وقد افتتحت الجلسة بكلمة د. محمد محمود صدفه البخاري وهو مدرّس باحث في الأدب العربي القديم، حاصل على شهادة الكفاءة التدريسية سنة 1980، نال الدكتوراه في الأدب العربي سنة 2003 من جامعة محمد بن عبد الله؛ فاس- المغرب، اشتغل بعدة مؤسسات وطنية، وله عديد البحوث المعرفية من أبرزها دراسة "رحلة الرحلة" وغيرها، يشتغل حاليا على إصدار دراسة بعنوان "العطور المدنية" تتناول مجموعة نصوص لابن التلاميد.
وقد تحدّث خلال محاضرته عن تعلق الموريتانيّ بكل ما هو دينيّ؛ وعلى وجه الخصوص الأشعار التي تمجّد النبي صلى الله عليه وسلّم وتعرض لمحاسنه وخصاله، موضّحا الأسباب التي جعلت الموريتانيّ يوغل في مديحه صلى الله عليه وسلم والتغنّي بمقامه في كلّ السياقات حتى ما هو منها موسيقي طربيّ، مشيرا إلى أنّ القصيدة العربية في موريتانيا أوّل ما عرفته من الأغراض المديح لعدة عوامل سياسية واجتماعية كانت بمجملها تنظر إلى الشعر نظرة مغايرة قبل تفشّي اللغة العربيّة وانتشار ظاهرة قرض الشعر خلال القرن الثالث عشر للهجرة.
وقد حاضر ثانيا الأستاذ محمد فال عبد اللطيف، وهو من مواليد 1952 بالترارزة، تلقى تعليمه الأول بالمحظرة الشنقيطية، والتحق بالتعليم النظامي بعدها، تخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة وعمل إداريا بالمؤسسات الوطنية، ومدرّسا مكوّنا بالمدرسة الوطنية للإدارة، ومحاضرا في المنابر العلمية.
وقد تطرق في كلمته إلى ما عرف عن المرابطين من تحفّظ شديد تجاه الشّعر نتيجة موقفهم الدينيّ من الفنون جميعها، وقد خصّ في كلمته العلامة الشيخ محمد اليدالي كمثال على تغنّي الشّعراء الموريتانيّين القدامى بالمديح النبوي وتعبيرهم الصادق عن تعلّقهم بصفات الرسول وحنينهم إلى مجاورة البقاع المشرفة، معلّقا على الإيقاعات الموسيقية التي اكتنزت نصّه "صلاة ربّي" معتبرا إياها حالة إبداعية جمعت التفرد النغميّ في بنيتها وصوّرت مجمل المشاعر المحبة والعواطف المغرمة بلغة فنية عالية، لتكتمل ذروة الحب والعشق في قصيدته "حسن بدئي" التي يقول فيها:
خصّه الله تعالى
بالدلالات الضخام
والمقامات العوالي
السنيّات السّوامي
فاق سعدا وسناء
وسنا سعد البهام
فيما انتهت المحاضرات مع الدكتور محمد الأمين لكويري، وهو كاتب وباحث وأديب، مهتمّ بدراسة الآداب، والبحث في النادر المهجور من التراث المحلّي اللامادّيّ، وقد عمل صحفيا في قناتي الموريتانية والمحظرة، ثمّ محرّرا ومقدّما لبرامج في إذاعة كوبنّي والتنوير المحلّيتين، كما عمل في عدّة هيئات نقدية وثقافيّة بالبلد، وحصل على عدّة تكريمات قيّمة، صدرت له أعمال معرفية من أهمها: "بلوغ الأماني من تقعيد وتأصيل الأدب الحسّاني" .
وخلال كلمته عبّر عن اختلاف تناول الشعراء الموريتانيين الأقدمين للمديح، مبرزا نماذج من شعرهم تبيّن أوجه التباين، عازيا تجنّب بعضهم للمقدمات الطللية أو الغزلية إلى التسامي بالذات النبوية عن إشراكها بذات أخرى في المحبة أو الجمال مستشهدا بالشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديّ الكبير الذي يقول فيه:
أهلا بميلاد مولود به كمُلت
بشرى البشائر للبادي وللقرَوي
أهلا بميلاد من لم يحك مولدُه
من الظروف مكاني ولا ملوي
بينما يرى أن ولد محمدي وغيره قد دبّجوا مديحياتهم بمقدمات غزلية شوقية تقليدا للبوصيريّ وحسان ابن ثابت، وخلص إلى أنّ تعدّد المشارب الفكرية حينها للشعراء هي ما تتحكم في أنماط نصوصهم المديحية.
واختتمت السهرة الرمضانية بأسئلة الجمهور التي أثرت الندوة إضافة إلى عدة تعليقات من طرف شعراء وأكاديميّين تطرّقت إلى تيمة المديح وفنياته في القصيدة الموريتانية الحديثة.