عدوي الإنقلابات وسط و غرب إفريقيا.
نقاط التلاقي و الإختلاف.
يأتي الإنقلاب الأخير الذي شهدته الغابون البلد الإفريقي الغني بثرواته الطبيعية و قليل عدد السكان مقارنة بدول الجوار.
في سياق تداعيات انتقال عدوي الإنقلابات داخل مناطق النفوذ الفرنسي تأريخيا في إفريقيا.
و بعيد ساعات من إعلان نتائج فوز الرئيس المطاح به في انتخابات رئاسية شابتها حالات تزوير واسعة في ظل فشل المؤسسات المدنية و السياسية لتحقيق تطلعات الشعب الغابوني في إرساء تناوب سلمي علي السلطة الكل يجد ذاته فيه.
حيث عانت منطقة وسط و غرب إفريقيا منذ فترة من إضطرابات عميقة و عدم إستقرار سياسي خطير .
يبقي المثير في حالات الإنقلابات الأخيرة أنها جاءت تباعا و من داخل منطقة نفوذ واحدة.
و بواسطة كتائب حرس رئاسي تضمنت نخب عسكرية ظلت وفية ومحل ثقة مطلقة للحكام بحكم قربها من رأس السلطة.
تتقاطع في عمومها في مهمة واحدة هي توفير الحماية الشخصية للرئيس و تأمين مقرات الرئاسة و الإشراف أمنيا علي كل الأنشطة الرئاسية و الزيارات الميدانية و الداخلية...الخ.
قبل لحظة قلب الموازين
إضافة إلي تزايد حجم الصحوات الشعبية المعادية لفرنسا و الغرب و التي ما فتئت تعطي الشرعية للنخب العسكرية التي أطاحت في الغالب برؤساء منتخبين موالين لفرنسا.
البلد الإستعماري السابق صانع الطغاة و النخب الحاكمة و رجال السياسة عبر التخطيط المحكم للإنقلابات تاريخيا بقدر ما يتماشى مع مصالحه و يحافظ علي نفوذه و ارباحه في القارة السمراء الغنية بمختلف الثروات .
لاشك أن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية و غياب القيادة الصالحة بالإضافة إلي سوء الإدارة و تراكم الفساد و هشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم و ارتفاع المديونية و أسعار المواد الغذائية و تدني مستوي المعيشة و تراجع النمو و انتشار البطالة و إثارة النعرات و النزاعات و الصراع الطائفي و الإثني و التحديات الأمنية المرتبطة بالإرهاب.
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة و زاد من تفاقم أزمة هجرة الشباب و أصحاب الكفاءات خارج الديار في ظل عجز و فشل سياسات الحكومات لتشغيل الشباب داخل الأوطان.
في حين يري معظم المحللين أن أغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم ضمن أكثر دول القارة فقرا و أقلها إستقرارا حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تعاقبت عليه إنقلابات عسكرية مقارنة بالدول الناطقة بالإنجليزية الأكثر إستقرارا و الأنجع إقتصادا.
وضع ألقي بظلاله علي العلاقات جيوسياسية و المزيد من التوتر في المواقف الدولية .
من دول المنطقة اتجاه فرنسا لتبنيها سياسات و استراتيجيات خاطئة ضد حكومات وشعوب مناطق نفوذها التاريخية مما أفقدها دورها الريادي و قلص من نفوذها لصالح قوي اقتصادية و عسكرية صاعدة كروسيا و الصين ...الخ.
يجمع المراقبون للشأن الإفريقي أن مشهد الإنقلابات في منطقة وسط و غرب إفريقيا أستمر علي نحو جديد الثابت فيه أن الولاءات التقليدية للدول الغربية لم تعد كما كانت.
فانقلابات مالي و بوركينافاسو و النيجر كلها مناهضة للوجود الفرنسي في المنطقة و قريبة من روسيا اليد الخفية التي تحاول الإطاحة بالنفوذ الفرنسي و الغربي بالقارة ما يجعلها ساحة لهذه المعارك و التحولات الكبري التي قد تكون ضمن سلسلة من الإنقلابات الحالية و أخري قد تكون قادمة.
و إن كانت دوافع الإنقلاب أمنية بإمتياز لما يشكله الإرهاب داخل مناطق الدول الثلاثة من تهديد خطير علي أمن و استقرار شعوب و دول المنطقة.
بالإضافة إلي سوء الحكامة و الفساد المالي و الإداري و انهيار الإقتصاد و الفقر.
بينما اتسمت انقلابات غينيا كوناكري و الغابون بأنها ليست لديها أي توجهات معادية لفرنسا .
رغم قرار الغابون و التوغو مؤخرا سنة2022 م و هما عضوان بارزان داخل الفضاء الفرنكفوني .
الإلتحاق و الإنضمام إلي منظمة الكمنويلث الناطقة بالإنجليزية مع أنهما لم يكن لديهما روابط استعمارية تاريخية مع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ( ابريطانيا ).
إذ تعد الغابون من اغني دول إفريقيا بل هي إحدي أكثر دول العالم ثراءا من حيث التنوع البيولوجي و توصف أحيانا بكويت إفريقيا.
بينما اعتبرها كثير من النقاد نموذجا للنهب الواسع الذي جري تحت رعاية باريس في ظل نظام جمهوري ديمقراطي غابوني كرس لحكم الفردي و توريث العائلة.
فالأنظمة الإفريقية لها قاسم مشترك يتمثل في غياب الحكامة الرشيدة و تعثر الديمقراطية و عدم تحقيقها للتوقعات و النجاحات التي انتظرتها شعوب المنطقة.
إضافة إلي افتقارها لأسباب و عوامل الرعاية و التعزيز.
و هشاشة الإقتصاد و تفشي الفساد و انتشار البطالة و هجرة الشباب حيث تتركز الثروات في يد فئات معينة سواء داخل النظام أو التي تدور في فلكه.
بالإضافة إلي التحديات الأمنية و النزاعات الداخلية و الخارجية التي تضعف بنية الأنظمة و تستنزف الموارد الشحيحة في الأصل.
مع عدم احترام المواثيق الديمقراطية و الدساتير و لجوء كثير من الرؤساء الأفارقة المدنيين لتمديد فترات حكمهم أو تحايل بعضهم عبر تزوير نتائج الإنتخابات مما يغري العسكريين و يمنحهم مشروعية الإنقلابات حيث لاشك أن الإنقلاب آلية غير دستورية للإستيلاء علي السلطة.
لكنها الوسيلة الوحيدة للتغيير المتاحة إفريقيا.
كما أن هذا التنافس الروسي الفرنسي علي النفوذ في إفريقيا ينعكس سلبا علي الصراع بين العسكريين الأفارقة الذين لهم ميول قومية اشتراكية معادية لفرنسا و السياسيين البراغماتيين الأكثر قربا من فرنسا.
تأسيسا لما سبق يبدو أن عدوي الإنقلابات قد تستمر علي هذا النسق و بنفس الوتيرة المتسارعة
لذا لن يكون من الغريب ان نشهد في قادم الأيام انقلابات متتالية سواء في منطقة غرب إفريقيا أو في شمالها أو شرقها .
في ظل تباين المواقف الدولية اتجاه الإنقلابات نتيجة لتقاطع المصالح و عجز المجتمع الدولي و المنظمات الدولية و الإقليمية في إيجاد إطار قانوني ملزم و رادع يحد من هذا السلوك المعيق للإقتصاد و ترسيخ الديمقراطية.
في انتظار مآلات التحولات الجارية علي مستوي النظام الدولي في ظل الصراع المستمر بين القوي الكبري مثل آمريكا و روسيا و الصين التي تسعي لتوطيد نفوذها داخل القارة الإفريقية .
و أمام حجم الإكتشافات الهائلة و الواعدة من الغاز و النفط و مختلف الثروات الطبيعية الأخري.
والتي قد تكون محفزة و مواتية لعمل ما ولو بمسوغات جديدة من قبيل ( لمجي اعل مدح ارسول ) صلي الله عليه وسلم
حفظ الله موريتانيا.
اباي ولد اداعة.