الإنتخابات التشريعية و المحلية في موريتانيا
قراءة للمشهد الإنتخابي و النتائج و المآلات.
شهدت البلاد مؤخرا تنظيم انتخابات نيابية بلدية جهوية و لوائح وطنية لأول مرة في عهد النظام الحالي.
اتسمت بمشاركة واسعة لكل الأحزاب السياسية المعترف بها و البالغ عددها 25 حزبا دون قطيعة او استثناء يذكر.
وصل عدد اللوائح المتنافس عليها بلغة الأرقام 1378 لائحة بلدية و 145 لائحة جهوية بالأضافة إلي 559 لائحة نيابية طبقا لبيان اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات.
وصفت هذه الإستحقاقات الإنتخابية بالمعقدة و الصعبة علي مستوي التنظيم و الإقتراع شملت ست عمليات تصويت في آن واحد .
بالإضافة إلي تقارب لون البطاقات و صعوبة التمييز بين الشعارات في ظل إنارة شبه معدومة داخل مكاتب التصويت و الوضع المشين لحالة الستائر الإنتخابية و ضيق المكان علي غرار ما حصل مع رئيس الجمهورية لحظة إدلائه بصوته رفقة عقيلته .
أمور من بين أخري ساهمت في خلق ارتباك لدي الناخب و تسببت في الكثير من المغالطات و الأخطاء و مضيعة الوقت كان لها الأثر المباشر في ارتفاع حصيلة عدد البطاقات اللاغية.
كان بإمكان تجهيز مراكز التصويت بكشكات إقتراع قابلة للطي وبمواصفات دولية مناسبة و مريحة للناخب.
خاصة إذا ما علمنا بمستوي الدعم المالي الكبير الذي حصلت عليه اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات و المقدر بأكثر من 8 مليارات أوقية.
في حين تجاوزت نسبة التصويت علي العموم عتبة 70% و هو مؤشر مشاركة جيد مقارنة بإنتخابات السنوات الأخيرة.
بينما يري بعض المراقبين و المحللين للشأن الإنتخابي أن حالات الإنسحابات و المغاضبة التي شهدها حزب الإنصاف بعيد تزكية مرشحيه في الإنتخابات ولدت خوفا لدي الحكومة و القائمين علي حزب الإنصاف من إكراهات المرحلة و فقدان السيطرة علي المشهد السياسي ميدانيا عكسه حجم تهديد الوزير الأول و بعض أعضاء حكومته للمغاضبين و مستوي الوعيد لدي قادة الحزب و التقليل من شأن أحزاب أغلبية داعمة للرئيس .
أمور لم تكن مألوفة لدي الحزب الحاكم في هكذا ظروف انتخابية و مناسبات سياسية .
مما جعل الصراع خلال الحملة الإنتخابية يحتدم بين القوي السياسية الداعمة للنظام.
أخذ منعطفا جديدا في إطار صراع نفوذ بين حزب الإنصاف من جهة و المغاضبين و أحزاب الأغلبية من جهة أخري في ظل تراجع شعبية أحزاب المعارضة التقليدية ماعدي حزب الإتحاد من أجل الديمقراطية و التقدم UDP الذي وسع من دائرة نفوذه هذه المرة في اتجاه الشرق بعد ما استقر لسنوات في منطقة الضفة و في الشمال مما سيعزز من حضوره داخل الأغلبية الداعمة لرئيس الجمهورية من خلال حصوله علي المركز الثالث في الترتيب العام.
إذ تظهر النتائج و المعطيات الواردة من مقر اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات و تؤكد التراجع الملحوظ لأحزاب التكتل و قوي التقدم و التحالف حيث لم يحصدوا أي نائب في هذه الإنتخابات فيما لازالت حظوظ التحالف قائمة من خلال التنافس في الشوط الثاني علي نائب.
قد يجدون انفسهم خارج المشهد السياسي و خارج اللعبة بحكم قوة قانون الأحزاب المنظم للعمل السياسي الحزبي .
تأسيسا لما سبق يجمع بعض المحللين أن صعود لوائح حزب الإنصاف علي مستوي البلديات التسعة للعاصمة انواكشوط لم يأت من فراغ بل هو ثمرة جهود مشتركة لفريق حكومي و فاعلين سياسيين ميدانيين و نفوذ مال و أعمال و ضغوطات محلية من مختلف القطاعات بالإضافة إلي تأثيرات قانون النسبية و ما يترتب عليها و تراجع دور المعارضة التقليدية وتلاشي بعض شعبيتها لصالح النظام.
لاشك أن الإنسحابات المتكررة و الواسعة من حزب تواصل نحو الإنصاف و استمرار مغازلة بعض قادته للنظام قد ساهم بشكل أو بآخر في خسارة حزب تواصل لمناطق نفوذه منذ عهود في مقاطعتي عرفات و توجنين.
نفس التراجع حصل لشعبية زعيم حركة ايرا العائد من بوابة حزب الصواب بسبب تنامي خطابات الكراهية و إثارة النعرات لديه و كشف المستور لنواياه.
بالمقابل برزت تشكيلات حزبية جديدة حاضنة لمجموعات حزب الإنصاف الغاضبة ذات التأثيرات الإجتماعية داخل مناطق النفوذ القبلي في عمق البلاد ستعزز من حضورها داخل المشهد السياسي الوطني ضمن أغلبية داعمة للنظام.
تموقع سيتيح للأحزاب الإستفادة أكثر من المغاضبين انفسهم.
في حين كان للبطء و الإرتباك الحاصل علي مستوي اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات في فرز و إعلان النتائج ردود فعل معارضة متباينة وصلت إلي حد التشكيك في نتائج الإنتخابات و مصداقيتها والمطالبة بإلغائها
و هو أمر مستبعد المنال ذهب إليه البعض في سياق البحث عن تبريرات قد تدخل في إطار تداعيات صدمة الخروج من الإنتخابات صفر اليدين.
لاشك أن حصول حزب الإنصاف علي أغلبية مريحة داخل قبة البرلمان سيساهم في رسم خارطة سياسية علي المقاس المطلوب في ظل أغلبية واسعة داعمة للنظام ستعزز من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني و ستؤسس لدعامة شعبية قوية متماسكة و تحضر لإنتخابات رئاسية مرتقبة في العام القادم إن شاء الله.
بينما يري آخرون أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي ترتيب بيت حزب الإنصاف و تصحيح الإختلالات الحاصلة و التصالح وتجاوز مراحل المغاضبة .
و تأسيس الحزب علي أسس إنصاف سليمة يجد الكل نفسه فيها .
أعتادت الإنتخابات الموريتانية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي في تحديد وجهة التصويت علي حساب عامل الولاء الحزبي لعوامل عدة ابرزها اعتماد غالبية الأحزاب علي الأعيان و النافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي .
نظرا لانعدام ثقافة الانضباط الحزبي و غياب الروابط بين الأحزاب و الناخبين بالشكل الموجود في المجتمعات الديمقراطية في العالم خارج إطار المواسم و المناسبات السياسية .
فالعلاقة القائمة لدينا في ظل غياب مفهوم صحيح للمواطنة كثيرا ما تكون بدوافع عائلية أو قبلية أو مصلحية ليس إلا .!
طابت اوقاتكم.
اباي ولد اداعة.