احتضنت دار الحديث الحسنية اليوم الخميس في الرباط بالمملكة المغربية ، حفل تكريم للعلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه تم خلاله تسليط الضوء على مساره الأكاديمي والفكري الحافل، والتوقف عند مساهماته المعتبرة ودوره في الإشعاع الثقافي في موريتانيا وفي الساحة المغاربية والإفريقية والعربية والاسلامية والدولية.
وقد حضر حفل التكريم الذي تنظمه دار الحديث الحسنية بتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عدد كبير من الشخصيات المعروفة في مجال الثقافة والأدب والفكر في المغرب وخارجه، إضافة إلى سفير موريتانيا في الرباط والمدير العام لمنظمة الإيسيسكو ومجموعة من أصدقاء الراحل وضيوف " الدروس الحسنية" وأعضاء من عائلة الراحل وجمع من طلبة المرحوم في الجامعات المغربية.
بدأ حفل التكريم بتلاوة قرآنية مع القارئ المعتصم بالله العسلي، ثم تتالت الكلمات الافتتاحية مع مسيّر الحفل الدكتور عبد الله الرشدي، المدير المساعد المكلف بالإدارة والتكوين بمؤسسة دار الحديث، الذي بدأ في افتتاحيته بالإشادة بشخصية الدكتور محمد المختار ولد اباه الذي كرس حياته لطلب العلم وتعليمه فضلا عن تقلده مناصب وظيفية سامية واصل من خلالها خدمة العلم، واعتبر مسير الجلسات ان تكريم الراحل اليوم يكرس قيمة اخلاقية في غاية النفاسة نظرا لما قدم رحمه الله للعلوم الشرعية واللغوية طيلة حياته من جهود ملموسة.
وفي كلمته بالمناسبة تحدث الدكتور احمد الخمليشي عن الشيخ محمد المختار بن اباه الذي وصفه بأنه كرس حياته دقيقة دقيقة لخدمة عقيدته تأليفًا وتحقيقا وخدم وطنه من خلال بصماته التي ترك ومثال ذلك جامعة شنقيط العصرية دون ان ينسى يوما مؤسسة دار الحديث التي ارتبط بها عشر سنين فبقي على علاقة وطيدة بأساتذتها وموظفيها وطلبتها، فعرف فيه الجميع حسن الخلق واللين الى جانب العلم والتحقيق.
ثم بعد كلمة مدير دار الحديث الحسنية
تابع الحضور شريطا يعرض مقطعا من محاضرة ألقاها الراحل رحمه الله تعالى أمام كوكبة من اهل العلم.
ثم تحدث عن أسرة الشيخ الراحل الدكتور احمد سعيد ولد اباه رئيس جامعة شنقيط العصرية متوقفا عند أبرز محطات الشيخ الوالد رحمه الله من خلال رحلاته في المشرق والمغرب ، حيث توجه أولا الى الجنوب وهناك تعرف على شخصيات وقيادات وزعامات سياسية وثقافية واجتماعية تركت اثرا كبيرا على مسيرته كما مكنته هذه الوجهة من المشاركة في نواد ومجالس ادبية، وحصل فيها على الباكولوريا وصدر له أول قرار بالتوظيف، فكانت بالنسبة له رحلة هامة ضِمْن مساره التكويني.
ثم تحدث عن الهجرة نحو الشمال حيث حط الرحال في رباط الفتح، وكان لها عظيم الأثر على مسيرته العلمية والسياسية والفكرية، وفي الرباط كان أول موريتاني يحصل على شهادة جامعية من جامعة محمد الخامس، ثم ذكر المحاضر مزايا الرحلة الى تونس، وتحدث بعدها عن الرحلة نحو الغرب وتحديدا الى فرنسا حيث نال اربع شهادات من جامعة السوربون ، ومكنته هذه الرحلة من التعرف على ألمع المستشرقين والتقى بأهم المثقفين الافارقة،.
أما الوجهة الرابعة فجاءت مصداقا لقوله تعالى "فلنولينّك قبلة ترضاها" حيث استقر في الحجاز امينا عاما مساعدا لمنظمة التعاون الاسلامي وكانت هذه الوجهة فرصة للتعرف على أبرز الشخصيات في البلد كما ارتبط بجامعات سعودية القى فيها عدة محاضرات في مجالات مختلفة.
ويختم الدكتو احمد سعيد ولد اباه باستقرار الشيخ الوالد في وطنه الام موريتانيا وحضوره الكبير في العمل المؤسسي ثم تأسيسه لجامعة شنقيط العصرية وتكريم فخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للمرحوم بوسام رفيع تقديراً لجهوده العلمية والثقافية.
من جانبه قدم الدكتور حمداتي اشبيهنا الشيخ ماء العينيين شهادته في حق الشيخ محمد المختار ولد اباه منذ ان عرفه في نهاية الخميسنات من القرن الماضي مستعرضا جوانب من هذه الشخصية التي يعود لها الفضل في بناء علاقات قوية بين موريتانيا والمغرب قائمة على الود والاحترام مرتكزة على ما يجمعهما من صلات دينية وثقافية وفكرية وسياسية.
ثم سلطت المحاضرة الأولى من الجلسة العلمية الضوء على كتاب الراحل "خلاصة الادلة من كتابي التجريد واختصار التمهيد" قدمها الدكتور عيد الرحيم ايت بوحديد أستاذ بدار الحديث الحسنية، وقد استعرض اهم فصول الكتاب وصنيع المؤلف فيه، واصفا أسلوبه ومقارناته بالفريدة . وأنه لم يكن مجرد ناقل وإنما ناقد ايضا بفهم سديد مع ما أوتي رحمه الله من قدرة كبيرة على تقديم قراءات جيدة واستنتاجات مفيدة وإحصاءات دقيقة فتميز كتابه بحسن التلخيص وتقريب المادة العلمية لطلاب العلم فهما وتصورا.
وختمت الجلسات العلمية مع الدكتور طارق طاطمي الذي قدم عرضا حول "كتاب في موكب السيرة النبوية للدكتور محمد المختار ولد اباه "
وقد تحدث عن نماذج من عناية المغاربة بالسيرة النبوية من خلال عرض لاهم المؤلفين والمؤلفات في السيرة في المنطقة مركزا على كتاب "في موكب السيرة" للدكتور محمد المختار ولد اباه الذي وصفه بأنه كتاب صغير الجرم عميق الفهم يصدق فيه قول القائل:
قليل منك يكفيني ولكن
قليلك لا يقال له قليل
ثم استعرض دواعي تأليف الكتاب وفصوله مقدما نبذة عن مضامينه وخلص الى ان المؤلف قدم مشاهد ورصد أحداثًا تذكي العواطف وتبعث على صدق المحبة والتعلق بكل ما له صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الجلسة الختامية تم تكريم الشيخ الدكتور محمد المختار بن اباه، ثم ختم الحفل بقراءة عطرة من آي الذكر الحكيم ودعاء للمرحوم بالمغفرة والرحمة.