تَغَوُل الصَحافَة فى أنواكشوط / داهى محمد لكويرى

أحد, 14/06/2020 - 15:04

تزامناً مع أنتشار وباء الكورونا "كوفيد19" الفتاك تعلن نقابة الصحفيين فتح باب التَرشح لكرسي نقيب الصحفيين الموريتانيين، وكذلك عضوية المكتب التنفيذي معاً، هي أبرز تطورات نقابة الصحفيين الموريتانيين فى فترة إنشغلت فيها كافة الهيئات الإعلامية والمؤسسات الصحفية الدولية فى نشر الوعي وتوعية شعوبها على مخاطر وباء الكرونا، وتعتبر الصحافة هنا هي الديناميكية المحفزة لإبراز الحقيقة.

بعد أنتخاب النقيب في أواخر العام 2017  تلبيةً لنداء إنقاذ الحقل الصحفى من التهاوى والشتات الذي يعانى منه، حيث وصلت قائمة المسجلين على لوائح النقابة أزيد من 1600 صحفي ممتهن وغير ممتهن.

تلاعبت الأنظمة التى تعاقبت على سدة الحكم فى البلاد بهذه الماكنة العملاقة والتى لها تأثير بالغ على الشارع العام وتوجيه الرأي عبر نشر الشارد والوارد من أخبار ذات صلة بتسيير الحياة العمومية وواقع الشعوب وتطلعاته، ومع تواطئ بعض النقباء ممن شغر مقعد النقيب، بفعل واقعهم المثير والذي لا يحتمل التعارض مع تيار إرادة الحكومة وسياساتها حينها تمت أدلجة النقابة بشكل سخيف، بهذه المعادلة المعقدة تم تدجين صحافة النقابة، والسيطرة عليهم من داخلها عن طريق بيادق صحفية تم تسييسهم من قبل التيار السياسي الحاكم الذي يلعب هو الآخر دوراً كبيراً في توجيه المسارات نحو مصب مصالح النظام الحاكم.

ليس هذا سوي وميض من كابوس تعيشه الصحافة فى بلادنا ضمن إستراتيجية الهيمنة على سلطة الصحافة، إذ يتم صدُ كل أمين على المهنة تسول له نفسه الترشح لمنصب عميد ونقيب الصحفيين المورياتنيين، وإبعاده عن الدوائر الصحفية المؤثرة من خلال تفعيل تكتلات من الصحافة الفاسدة، لتعمل كخلايا حية لجمع أكبر عدد ممكن من الصحافة المغبونة وأولئك السذج الجدد وأكوام من الهواة الصغار ويتم تسجيلهم على لوائح المؤتمر العام قبل إلتآمه بفترة قصيرة ليتم إستخدامهم أثناء التصويت لصالح مرشحهم، هي خدعة لم تعد تنطلى على أي صحفى يمتلك شحنة من التعفف.

هنا يتم فتح قنوات جديدة شبه سرية لإستقطاب عدد كبير من المتسربين والمتسللين دون وضع ضوابط قانونية أو نظامية لإنتقائهم، رغم ان الحكومة مدركة جيداً لحجم الهوة المفتوحة في حقل الصحافة والتى ستأثر فيما بعد فى فعالية النقابة كهيئة مستقلة وفي قدرة الصحفى مما يعمل على تقويض مصداقية الحقل عموماً  على غرار مبدأ "التكاثر يوِلد الفَشل".

لعدة أسباب تم تقويض الحقل الصحفى وفي الغالب من داخله، حيث كان يأمل كل صحفى مستقل حر وعمومي مهنى النهوض بالحقل عن السقوط في الوحل، كما يجب أن يربأ قادته عن الصراعات والتنابز بأوصاف وقحة على صعيد مواقع التواصل الإجتماعى،
وأثناء كل إنتخابات تنشب الصراعات ليتعرى الحقل وينكشف واقع الصحافة التي طالما أتسم فيها المواطن النخبوية وتلك الروح المهنية ونبرة الصدق والموضوعية والحياد فى نقل واقعه المرير دون مساومة، فيتحول الإقتتال لاحقاً إلى صراع مصالح ضيقة، وكأنها "حرب الجميع ضد الجميع".

يتلكأ الكثير من الصحافة على أنطباعات لا تنتمى إلى أخلاقيات المهنة، فالهشاشة التي طبعت واقعهم المتقهقر جعلت العديد منهم ينساق خلف الأطماع المادية كهدف دون إدراك للتأثير السلبي الذي سيلحق بالساحة الصحفية، إلا أنه يوجد دائما صحفيين إثنين من بين العشرة لا يزالاَ على عُهدتهم ومهنيتهم.

تحول الحقل في العقدين الأخيرين إلى مشهد فوضوي خلاق، لا تحكمه قوانين ولا نظام أخلاقى مهنى سوى تلك المنظمة لنشر الخبر أو الإعتذار عن خبر مغلوط، حيث لم يتمكن أي من هؤلاء النقباء العقلاء على تحريك وتحفيز الحكومة لسن نصوص تمكِن من تنظيم الحقل والصحافة العاملة فيه.

هي رعونه وميوعة وخيانة لمهنة المتاعب وسمت جبيبن نقابة الصحفيين طيلة العقدين، أم أنها لعنة صاحبة الجلالة حلت بكرسي النقيب، حيث أصبح من الواقع المفروض أن تعيش نقابة الصحفيين رهن سياسات سحقت همة وسمعة صحافة البلد ووضعت مهنية الصُحفي بين فكي كماشة المصالح... بالفعل هي حقيقة مُرّه.

تُحسب الصحافة على النخبة المثقفة، كما أنها تعتبر واجهة المجتمع والحضارة والعولمة، هي كوكبة تلمع بالثقافة والوعي، هي بوتقة تعطي ولا تأخذ، هي مهنة المتاعب كما يسميها المهنيين الغيورين على أوضاع شعوبهم، هي صاحبة الجلالة التي لا تحتمل الدَنَس ولا الخَنَس، إلى أن تحولت بفعل فاعل إلى مهنة من لا مهنَة له.