مقاصد الأحكام الشرعية
يتقدم الفكر المقاصدي في العلوم الشرعية الإسلامية باعتباره مجالا يؤدي وظائف مركزية في الفضاء
الشرعي الإسلامي، مثل خدمة الطابع الغائي الذي ينبع من صميم طبيعة التشريع الإسلامي كمنظومة واعية
للصلاح بأوجهه المختلفة و الخير العام للأحكام و الحكمة من تشريعها، ومعقولية القواعد المقاصدية ذات الأثر
الكبير على حياة بني البشر كما جاء في القرآن الكريم من إبراز جلي لآثار عبادة الخالق مثل الصلاة و الصيام و
غيرهمايقولجلمنقائل:فيتبيانأثرالصلاةعلىحياةالمسلمين:﴿ِإَّنال َّصالَةاتاْناهى اعِناْلفاْح اشاِء اواْلُمْناكِر
اولاِذْكر َِّاللَّأاْكابر او َّاللَّ ايْعلام اماتا ْصناُعوان﴾[العنكبوت:45]،وكذلكإبرازحكمالصياموحكمته:﴿ اياأاُّياهاالَِّذيان ُُُُ
آامنُواكُِتاب اعلاْيكُُمالِصاياُماكاماكُِتاب اعلاىالَِّذيانِمْنقاْبِلكُْملااعلَّكُْمتاتَّقُوان﴾[البقرة:183]
وبذلك تتكشف حقيقة قوة الصلة بين الأحكام و ال ِح َكــ ِم من تشريعها أصلا، وتوضح كذلك أن الأحكام الفقهية تمثل في الواقع وسائل لتحقيق مقاصد عليها كما تبين في هذه الآيات الكريمة، فالحكم التكليفي يعبر في جوهره عن مقصد شرعي و مرامي و غايات لها انعكاسات قيمية على التصرفات العبادية الواجبة مثل الصلاة كفعل يبعد الإنسان المسلم عن الانحراف و كل أنواع الفاحشة و يزكي نفسه في نفس الوقت كما يبعد الصيام كأمر تكليفي عن الشهوات و يجسد التآخي و التكافل بين المسلمين، كل ذلك يعبر عن قيم مقاصدية أي غايات تستهدف مصلحة
الفرد و المجتمع
وإذا كان الفكر المقاصدي يهتم بمسارات التيسير و بالضوابط الشرعية التي تحقق التوازن بين المصالح والمفاسد عند تعارضها، فإن هذه المهام المعرفية لعلم المقاصد تؤكد على ضرورة تفعيل هذا الفكر الذي بدأت طلائعه العلمية تعلن عن ذاتها من خلال ما شيده كل من الإمام الجويني المعروف بإمام الحرمين، المتوفى سنة 478هـ الموافق ( 1085م )، في كتابه البرهان، و الإمام أبي حامد الغزالي ( ت 505هــ 1112م ) في كتابه المستصفى و الإمام العز بن عبد السلام المتوفى سنة 660هــ ( 1262م ) في كتابه قواعد الأحكام و غيرهم من المفكرين المسلمين الذين أعلنوا عن تـأسيس هذا المجال المعرفي من خلال أطروحاتهم التيسيرية في الأحكام و
الغايات و المرامي البعيدة و القريبة للحكم الشرعي عموما
و مما يدعونا أكثر للتفعيل الدائم للفكر المقاصدي الشرعي، ما فاز به هذا المجال الفكري الإسلامي من
تقعيد ينم عن كثير من الدقة و الحصافة على يد الإمام أبي إسحاق إبراهيم الشاطبي الغرناطي المتوفى سنة 790هــ ( 1388م )، حيث أصبح الفكر المقاصدي الشرعي الإسلامي علما له قواعده و منهجه كما نجد في كتاب
الموافقات، الذي أسس فيه الشاطبي للقواعد المقصدية و أنواعها بفكر ثاقب و منهجية رائعة
وعلى الرغم من الحدود التي تحددت بها القاعدة المقصدية عند مفكري الإسلام قبل الشاطبي مثل الجرجاني و الجويني و الغزالي و غيرهم، فقد اكتست هذه القاعدة على مستوى الاصطلاحي ملمحا و حدا يمتلك الفنية الرائعة، و ذلك باعتبارها عامة و شاملة متسعة بحيث لا تقتصر على جزية شرعية محددة، و لا فروع معدودة، بل هي من السعة و العموم بحيث تشمل كل فرع و جزئية يتحقق فيها معنى القاعدة كاملا، فليست القاعدة المقصدية هي
الحكم و لكنها وسيلة لإظهاره، فهي تكشف عن الحكم و تظهره و ليست هي عينه
و بذلك يستجيب الفكر المقاصدي لضرورة حضارية فرضها الواقع الشرعي للأصول ذاتها كصورة معرفية مسئولة عن إنتاج الخطاب الشرعي الإسلامي ضمن مراميه و أهدافه و طبيعة أمر التكليف فيه على العموم
و هكذا فإن تفعيل آليات الفكر المقاصدي له أثر كبير على ضبط عمليات فهم الفضاء النقلي، فالنص الشرعي لابد أن يكون فهمه صحيحا و متبصرا بغاية المشرع و مقصده، و لا يمكن أن يكون ذلك تجاوزا للنص أبدا لأن الفكر المقصدي منضبط في ذاته بصور منظومية متماسكة
ومن أبرز ما جاء بعلم المقاصد كضرورة حضارية – كما أسلفنا - كون هذا العلم معينا على تجنب الابتداع
في الدين لأن أسباب الابتداع في الدين - كما يقول الإمام الشاطبي – [[ راجعة في التحصيل إلى وجه واحد: و
هو الجهل بمقاصد الشريعة ]]