لاشك أن رمضان هو شهر مبارك و مناسبة رائعة لإلتزام العبادة و وسيلة مشروعة للتقرب إلي الله و تقوية الإيمان به و النيل من مرضاته.
و التصالح مع الذات و محاسبة النفس الأمارة و إحياء القلب و حفظ الجوارح و التركيز علي الجانب الروحي للحياة.
فإلي جانب تصحيح المسار الشخصي و التوجه نحو الله يشكل شهر رمضان فرصة كبيرة لتعزيز روح التآخ و التسامح بين الناس و إشاعة ثقافة التكافل و التآزر.
كما أنه مظهر عملي للمساواة الكاملة و إذابة الفوارق حيث أن الصيام يشترك فيه الغني و الفقير علي حد سواء في الشعور و الإحساس بالجوع طيلة فترة الصوم و بشكل متساو.
فعلي العموم يشكل رمضان فرصة لترسيخ العديد من القيم الإنسانية الإسلامية العظيمة ينبغي اكتسابها و التحلي بها و غرسها في نفوس أبناء المجتمع.
بالإضافة إلي ما سبق فإن الصيام يمكن أن يساعد في السيطرة علي الشهوات الجسدية و النفسية و هو يعد بالتالي فرصة ثمينة للتحكم في النفس و تحسين القدرة علي التحمل والتحكم في الرغبات الشخصية و تعزيز الإرادة القوية لمواصلة السير علي الطريق الصحيح .
بالمقابل تشهد الأسواق الموريتانية قبيل رمضان علي غرار ما يحصل في دول العالم الإسلامي حراكا شعبيا كبيرا و إقبالا واسعا علي شراء المواد الأساسية الضرورية لمائدة الإفطار و هذا يشكل في حد ذاته تحديا للمواطن الفقير الذي يعاني في الأصل من عدم القدرة علي تحمل تكاليف هذه المواد في ظل ارتفاع الأسعار و استمرار المضاربة و الإحتكار داخل الأسواق و غياب الرقابة و الضوابط و انعدام الوازع الديني و الوطني و الأخلاقي لدي بعض التجار و خاصة في موسم رمضان.
فلا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت أسعار البطاطس و البصل حيث و صلت لأسعار خيالية .
و هي بالمناسبة مواد استهلاكية من بين أخري يتقاطع فيها كل الموريتانيين الفقير عديم الدخل و الغني المتخم بالمال.
في حين يبدو أن الإتحادية الموريتانية للمخابز و الحلويات دخلت هي الأخري علي خط ارتفاع الأسعار في هكذا توقيت من خلال التلويح و التهديد بتوقف انتاج مادة الخبز علي خلفية ارتفاع اسعار المحروقات و الحبوب في السنوات الأخيرة حيث لم يكن إختيار توقيت التصعيد إعتباطيا بل لحاجة في نفس يعقوب و فرصة مناسبة للضغط علي الحكومة للدخول في مفاوضات جادة نظرا لما تكتسيه مادة الخبز من أهمية و خاصة في ظروف رمضان بغية إرغام الحكومة دفع تعويضات الخسائر الناجمة حينها عن الوضع طبقا لوعودها السابقة منذ عامين و التي تضمنت دعم مادتي القمح و المحروقات.
بينما يري بعض العامة أن اصحاب المخابز تناسوا عن قصد أو غير قصد أن شهر رمضان فرصة لرفع الأعمال الصالحة إلي الله لا لرفع الأسعار.
كما تأكد ان اتحادية المخابز تراجعت عن موقفها ضمن تفاهمات جديدة مع الحكومة تمكنت من خلالها من امتصاص الأزمة دون الإعلان حتي الآن عن مضامين و فحوي الإتفاق.
تأسيسا لما سبق يجب علي الحكومة تحمل مسؤولياتها في الحفاظ علي استقرار الأسعار و توفير الدعم اللازم للتجار الذين يتعرضون للخسائر في حالة ارتفاع تكاليف المواد الأساسية ضمن اتفاقيات وطنية .
، كما يمكن للحكومة تشجيع المنافسة الحرة و تنظيم و ضبط و رقابة الأسواق بشكل فعال للحد من احتكار المواد الأساسية و تجنب الزيادات الجائرة في الأسعار.
بشكل عام ينبغي علي جميع الاطراف المعنية تحمل مسؤولياتها و العمل معا لتوفير المواد الضرورية بأسعار معقولة خلال شهر رمضان و في جميع الاوقات و ذلك لتحقيق العدالة الإجتماعية و تحسين معيشة المواطنين.
في بعض الأحيان يتساءل المواطن البسيط من خارج الدوائر المالية عن الأسباب وراء عدم انعكاس الصعود الملحوظ للعملة الوطنية الأوقية هذه الأيام أمام العملات الأجنبية علي القيمة الشرائية داخل الاسواق المحلية خاصة إذا ما علمنا أن التجار كثيرا ما يبررون ارتفاع اسعار المواد المستوردة بتراجع الأوقية و صرفها أمام العملات الأجنبية المهيمنة علي أسواق العالم.
رمضان كريم و كل عام وانتم بخير .
حفظ الله موريتانيا.