القمة العربية الأخيرة في الجزائر قراءة في مجالات النجاح والفشل

أربعاء, 09/11/2022 - 11:17

أسدل الستار الأسبوع الماضي علي وقائع الدورة 31 للقمة العربية المقررة بالجزائر .
حيث أنطلقت هذه القمة بمن حضر من قادة و زعماء عرب و من خلال حضور قوي للقضية الفلسطينية و غياب معظم قادة دول التطبيع مع الكيان الصهيوني و في ظل وضع دولي متوتر وغير مستقر تزداد فيه حدة التحديات بسبب تأثيرات و تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية 
تحت شعار لم الشمل العربي الحلقة المفقودة في تاريخ القمم العربية .
و في محاولة جزائرية لتقليص هوة الخلاف العربي و تذليل الصعاب اتجاه القضايا العالقة و الشائكة ، وذلك بالتزامن مع ذكري إندلاع حرب التحرير و ما تجسده من رمزية تاريخية ذات دلالات عميقة لدي الشعب الجزائري .
و بعيد انتظار طويل لانعقاد هذه القمة بالجزائر و ما شهدته من تأخر و بطء بسبب جائحة كورونا المتحورة التي شلت حركة العالم كما شلت اقتصادياته وكذلك الخلافات العربية البينية
و الواقع الحالي الذي يطبعه التمزق و الصراعات و الحروب داخل الدولة الواحدة و بين دول عربية أخري .
وتقريب وجهات النظر المتباينة بين مختلف الدول العربية حول مجمل القضايا الإقليمية و الدولية تفاديا لإرتباط إسم الجزائر بفشل محتمل للقمة .
لقدنجحت الدبلوماسية الجزائرية في استقطاب العديد من القادة العرب لحضور و إنجاح القمة 
بالإضافة الي إعلان للم الشمل الفلسطيني عبر إنهاء القطيعة بين مختلف الفصائل و جلوس قادتها علي طاولة واحدة و تجاوز و إنهاء الخلافات المزمنة بينها و  توقيع الإتفاق علي إجراء إنتخابات رئاسية و تشريعية في قطاع غزة و الضفة الغربية بمافيها مدينة القدس.
كمانص الإعلان أيضا علي انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج بنظام التمثيل النسبي الكامل خلال عام من لحظة التوقيع.
إذا كانت الجزائر قد تمكنت من جمع الفصائل الفلسطينية تحت سقف واحد فإنها لم تفلح في إقناع كل الدول العربية بضرورة إنهاء تعليق عضوية سوريا و السماح لها بالعودة الي البيت العربي .
فما هو ملاحظ من خلال جزئيات هذه القمة أن حالات الغياب عنها تطغي عليها الصبغة الخليجية كما يري بعض المراقبين بأنه معاقبة خليجية للجزائر علي خياراتها والتي يأتي علي رأسها المطالبة بعودة سوريا الي حضن الجامعة العربية مما دفع بها الي المقاطعة علي الرغم من العلاقة المباشرة و القائمة بين الإمارات العربية المتحدة وسوريا الأمر الذي يجعل حالات 
 الغياب غير مبررة،بالإضافة الي مواقف الجزائر إتجاه دول الخليج و رفضها و ممانعتها للتطبيع الخليجي مع إسرائيل مما أفرز هذا الموقف الخليجي الذي قد يغير من حسابات هذه القمة و تطلعاتها و أهدافها.
تأسيسا الي ما سبق فمازالت الدول العربية منقسمة حول الصراعات القائمة في اليمن و ليبيا و التدخل التركي و الإيراني في المنطقة بالإضافة الي التطبيع مع إسرائيل الخطوة التي أقدمت عليها مؤخرا كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ، البحرين ،المغرب و السودان 
لكن بالمقابل يبدو أن شعوب المنطقة العربية تتطلع اليوم أكثر من أي وقت مضي للوصول إلي بلورة مواقف عربية مشتركة و إجراءات عملية ستعزز من توحيد الصفوف و تضافر الجهود في مواجهة كل المخاطر والتحديات الإقتصادية والسياسية و الغذائية و الأمنية الراهنة بغية تحقيق تكامل إقتصادي مشترك فشلت كل القمم السابقة في تجسيده علي أرض الواقع..
لاشك أن تأرجح المغرب بين قبول و رفض الحضور و الإنسحاب المفاجئ لوزير خارجيتها و رئيس دبلوماسيتها من فعاليات القمة سيعمق الجرح في العلاقات المغربية الجزائرية المتوترة سلفا بسبب الخلاف القائم منذ أمد طويل حول الصحراء الغربية إضافة الي الأزمة الليبية التي شكلت مصدر خلاف جديد بينهما قد يلقي بظلاله علي نتائج أعمال القمة و سيساهم في تعثر لم الشمل العربي و انعكاس تداعيات هذا التأزم علي الوضع السياسي والإقتصادي لدول المغرب العربي الصورة المصغرة الكربونية للوطن العربي الكبير.
نظرا لما تشهده بعض الدول المغاربية من أزمات إقتصادية خانقة و ترد في الأوضاع الأمنية و السياسية كالوضع الحالي المسلح في ليبيا والمدعوم من أطراف وقوي خارجية و دولة تونس التائهة بين شرعية الدستور و مطالب شارع محتج ساخن و رافض لأحادية الحكم.
كما أن كلا من الجزائر والمغرب يتوددون الي موريتانيا بإستمرار أملا في كسب موقفها.
في حين سعت موريتانيا دوما الي الحفاظ علي العلاقات المتوازنة و المواقف الثابتة بشأن قضية الصحراء الغربية .
بينما جاءت المشاركة الموريتانية علي هامش القمة بالمستوى التمثيلي المطلوب من خلال الحضور المتميز لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الغزواني حيث أكد في خضم هذه القمة 
إنفتاح موريتانيا علي سائر اشكال التعاون و التبادل البيني والرغبة الصادقة للإسهام في كل ما من شأنه تسريع الإندماج الإقتصادي العربي سبيلا في تفعيل السوق المشترك و تعزيز التكامل و التبادل بين الدول العربية .
أملا في أن تكون القمة العربية الإقتصادية و الإجتماعية المرتقبة في انواكشوط العام المقبل
فرصة لتعميق البحث في أولويات التعاون الإقتصادي الرقمي الإجتماعي بين الدول المعنية و الخروج بإجراءات عملية في هذا الصدد إن شاء الله.
و أخيرا أفرز إعلان الجزائر الصادر عن الدورة 31 للقمة العربية جملة من القرارات الصائبة و التوصيات الهامة لامست القضية العربية في بعدها الفلسطيني و الوضع العربي المتأزم في ابعاده السياسية والإقتصادية و الأمنية في ظل المتغيرات الدولية و متطلبات المرحلة .
إن نجاح أي قمة يظل دائما مرتبطا بمدي تجسيد مخرجاتها و توصياتها علي ارض الواقع ليس إلا.
طابت أوقاتكم.
اباي ولد اداعة.

القسم: